-A +A
سعيد السريحي
37 قرارا تأديبيا أصدرتها دائرة تأديب القضاة بالمجلس الأعلى للقضاء خلال العامين الماضيين فقط ضد قضاة أقدموا على ما يوجب إنزال العقوبة بهم جاء بينها 11 قرارا بالفصل من الخدمة، و26 قرارا بعقوبة اللوم، كما جاء في التقرير الذي نشرته صحيفة المدينة يوم أمس. 37 قرارا تؤكد على أن القضاة ليسوا بمنجاة من العقوبة وليسوا فوق النظام الذي يحكم علاقة الموظف بعمله ويحدد مدى وفائه بشروط هذا العمل، ومع ذلك لا يزال كثير من الناس يتوهمون أن لا حسيب ولا رقيب على القضاة، وأن جل ما يمكن أن يحدث لهم أن تنقض محاكم الاستئناف أحكامهم وتعيدها إليهم فإن أصروا على ما حكموا به أحيلت تلك القضايا المنقوضة لدوائر قضائية أخرى.

ولا لوم على الناس إن توهموا ذلك ما دام قد وقر في أذهانهم مفهوم خاطئ لاستقلال القضاء حتى أوشك أن يذهب بهم الظن إلى أن هذا الاستقلال ضرب من العصمة التي لا يسأل معها القاضي عن شيء ولا يحاسب على شيء، ولا لوم عليهم كذلك ما دامت مساءلة أولئك القضاة تتم بسرية تامة والأحكام عليهم تصدر بسرية أشد لا يبلغهم منها غير أشباح أخبار لا يعرفون الصحيح منها من الزائف.


وإذا كنا نتفهم تلك السرية كقاعدة عامة في محاسبة القضاة الذين يرتكبون ما يوجب العقاب، فإنها تصبح غير مفهومة فيما يتعلق بالقضايا التي يظهر للناس فساد أحكامها، ذلك أن علنية ما يصدر ضد القضاة الذين حكموا بمثل تلك الأحكام أو تورطوا في قضايا تحيط بها الشبهات كفيل أن يحمل للناس الطمأنينة ويعيد ثقتهم بالقضاء وبالقضاة كذلك.

وإذا كان مهما أن يعرف الناس بما يصدر من قرارات تأديبية ضد بعض القضاة في بعض القضايا، فإن الأهم من ذلك أن يعرف القضاة أنفسهم بتلك القرارات كي لا يتوهم أحد منهم أن له العصمة، وأنه فوق المساءلة والمحاسبة.